المصدر / وكالات - هيا
ربما لا يوجد في مصر أكثر حساسية من قناة السويس وكل ما يتعلق بها من أخبار، لذلك كان من الطبيعي أن تستحوذ أخبار القناة على اهتمام المصريين خلال الأيام الماضية، بعدما ضجت مواقع التواصل بوثيقة مفبركة تزعم تأجير الممر الملاحي المهم لشركة إسرائيلية، مما اضطر الهيئة للنفي في بيان رسمي.
حساسية المصريين تجاه قناة السويس ليس فقط لأن القناة حفرت بسواعد المصريين وجرت فيها دماؤهم قبل أن يلتقي فيها مياه البحرين الأحمر والمتوسط، وليس فقط لأنها تمثل رمزا مهما لاستقلال القرار الوطني بعد تأميمها عام 1956 وما تبع ذلك من عدوان ثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)، بل لأنها أيضا أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، ومن أهم مصادر العملات الأجنبية في البلاد، خاصة مع احتدام الأزمة الاقتصادية بالبلاد، واعتماد الحكومة لسياسة الخصخصة كأحد وسائل البحث عن موارد دولارية تلبي احتياجات والتزامات البلاد المتزايدة من العملة الصعبة.
في ظل هذه الخلطة من الأسباب، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بوثيقة تزعم تعاقد هيئة قناة السويس مع شركة أجنبية (إسرائيلية) لإدارة خدماتها بعقد امتياز مدته 99 عاما، لكن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع نفى الأمر جملة وتفصيلا ووصفه بالشائعات.
نفي رسمي
وأكد الفريق ربيع، في بيان نشرته هيئة قناة السويس على صفحاتها عبر مواقع التواصل على السيادة المصرية المطلقة بشقيها السياسي والاقتصادي في إدارة المرفق الملاحي لقناة السويس وتشغيله وصيانته.
وشدد البيان على أن الهيئة لا يمكنها المساس بأى حال من الأحوال بالسيادة المصرية على القناة وكافة مرافقها المُصانة دستوريا، وأنها ملتزمة بالإعلان عن كافة تعاقداتها بمختلف أشكالها من عقود أو مذكرات تفاهم وغيرها، مع الإفصاح عن بنود التعاقدات وأهميتها.
وتنص المادة 43 من الدستور المصري: "تلتزم الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزا اقتصاديا مميزا".
بيان الهيئة جاء بعدما بات مستقبل قناة السويس حديث الشارع المصري إثر تداول العقد المشار إليه على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار انقساما واسعا بين مصدق ومكذب.
جدل صندوق جديد لقناة السويس
برز العقد المزعوم بعد أسابيع من موافقة البرلمان المصري في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي على مشروع قانون مقدم من الحكومة، وذلك لإنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس يجيز تأسيس شركات لشراء وبيع وتأجير واستغلال أصول الصندوق، مما أثار تخوفات بعض المصريين وعدوه تفريطا في قناة السويس، فيما أكدت الحكومة أن الصندوق يستهدف الاستفادة فقط تنمية موارد القناة وتطويرها.
ويتيح المشروع إنشاء "صندوق هيئة قناة السويس" تكون له شخصية اعتبارية مستقلة وتمكينه من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها، لتعزيز قدرة الهيئة على مجابهة الأزمات والحالات الطارئة، التي تحدث نتيجة أي ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء في الأحوال الاقتصادية.
ووسط جدل واسع، رفضت "الحركة المدنية الديمقراطية" التي تضم أحزابا معارضة ليبرالية وناصرية ويسارية، مشروع القانون، وأطلقت ما أسمتها "الحملة الشعبية للدفاع عن قناة السويس" تحت مسمى إلا قناة السويس، وقناة السويس خط أحمر. ودعت الحركة إلى سحب المشروع، وأن لا يصدر إلا بعد الموافقة عليه مادة مادة ثم التصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية.
لكن التصريح الأبرز جاء على لسان الفريق مهاب مميش مستشار رئيس الجمهورية للموانئ، والرئيس السابق لهيئة قناة السويس، حيث قال لصحف محلية إن القانون الجديد من المستحيل تنفيذه، مشيرا إلى أنه يفتح الباب لسابقة لم تحدث من سنوات طويلة، وهي وجود أجانب في إدارة قناة السويس وقد يغيرون النظام الذي تقوم عليه من سنوات طويلة ويحقق عائدات وأرباحا قياسية.
وأكد مميش -القائد السابق للقوات البحرية- أن أي تغيير في النظام أو دخول مستثمرين أجانب سيسبب حالة فزع لدى المواطنين، "خاصة مع ارتباط قناة السويس وجدانيا بالمصريين الذين شقوها في المرة الأولى بدمائهم وعرقهم وجهدهم، والمرة الثانية بأموالهم تحت رعاية وتخطيط الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أنه لن يقبل أبدا بأي تفريط في نقطة ماء واحدة أو قناة السويس بشكل عام، خاصة لكونه رئيسا مخلصا لوطنه ولشعبه".
في المقابل، دافع رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي عن مشروع القانون، ووصف تخوفات البعض تجاه القانون التي تؤججها الادعاءات والمغالطات التي صدرت عن أناس لهم مكانتهم العلمية والثقافية والأدبية بل والقانونية، بأنها في غير محلها.
ونفى جبالي، في بيان له، أن يكون "مشروع القانون تضمن أي أحكام تمس قناة السويس؛ لكونها من أموالِ الدولةِ العامة، ولا يجوز التصرفُ فيها أو بيعُها، بل ويزيدُ على ذلك أن الدولةَ ملزمةٌ، وفق المادة (43) من الدستور بحمايتها وتنميتها، والحفاظِ عليها بصفتها ممرًا مائيًّا دوليًّا مملوكًا لها، كما تلتزمُ بتنميةِ قطاعِ القناة، باعتباره مركزًا اقتصاديًّا متميزًا".
استثمار لا تأجير أو بيع
في هذا السياق، انتقد العضو السابق في لجنة النقل بمجلس النواب المصري محمد فرج، ما يثار حول قناة السويس، لكونها جزءًا من الدولة المصرية وليس مجرد أصل من أصولها، التي يجب المحافظة عليه وحمايته وعدم التفريط فيه تحت أي مسمى.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد فرج أن الحديث يجب أن يتركز حول كيف نحسن استغلال قناة السويس لتحقيق أكبر عائد من الاستثمارات، أسوة بدول مثل سنغافورة التي تمتلك أكبر أحواض إصلاح السفن على مستوى العالم، وليس الحديث عن تأجيرها أو بيع أصولها أو ما شابه، مما يردده البعض بقصد أو دون قصد.
وشدد البرلماني المصري على ضرورة الاهتمام بتطوير خدمات السفن العابرة للقناة من خلال إنشاء أحواض إصلاح وصيانة وخدمات في مدينتي السويس وبورسعيد على طرفي القناة لتعظيم إيرادات قناة السويس، وإنشاء مراكز لوجيستية لتبادل ونقل البضائع، إضافة إلى إقامة مناطق حرة بناء على احتياجات الأسواق الآسيوية والأفريقية، وإنشاء مناطق استثمار لتغذيتها بالبضائع المطلوبة سواء من خلال صناعتها أو نقلها.
والشهر الماضي، شهدت مواقع التواصل جدلا واسعا بعدما اقترح الخبير الاقتصادي المصري هاني توفيق، إصدار سندات لقناة السويس وطرحها في البورصات العالمية بفائدة 8% على مدة 50 سنة بضمان إيرادات القناة لجمع حوالي 60 مليار دولار لمساعدة مصر في سداد المديونيات المستحقة عليها.
أرقام قياسية لقناة السويس
كشفت إحصائيات الملاحة بقناة السويس خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي تسجيل أعلى إيراد شهري في تاريخها بلغ 802 مليون دولار، بحسب الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس.
وشهدت حركة الملاحة بالقناة خلال الشهر ذاته عبور 2155 سفينة من الاتجاهين بنسبة زيادة قدرها 21.5%، وبلغت إجمالي الحمولات الصافية 123.5 مليون طن بنسبة زيادة بلغت 16.3%.
وتوقع الفريق ربيع أن تصل إيرادات قناة السويس إلى 8 مليارات دولار في السنة المالية الحالية 2022/2023، مقارنة بنحو 7 مليارات دولار خلال العام المالي 2021- 2022.