المصدر / وكالات - هيا
منذ إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعتزال العمل السياسي، يوم الـ29 من أغسطس الماضي(2022)، والعراق يغلي.
فقد فتح هذا القرار الذي أتى بعد أشهر من التعثر السياسي في البلاد والخلافات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الذي يضم نوري المالكي وتحالف الفتح وأحزاب موالية من إيران، باب التوتر على مصراعيه.
فعلى مدى الأيام الماضية شهدت العاصمة بغداد اشتباكات مسلحة قبل أن تهدأ الأمور بعد سقوط 30 قتيلاً ونحو 600 جريح، تلتها البصرة التي شهدت بدورها خلال اليومين الماضيين، قتالاً مسلحا بين سرايا السلام التابعة للصدر وعصائب أهل الحق (بزعامة قيس الخزعلي الموالي لطهران).
لتلي تلك التطورات خلال الساعات الماضية حرباً كلامية أطلقها وزير الصدر، محذراً العصائب، ومصعداً بوجه "الحشد الشعبي" أيضاً، في توسيع لهامش المطالب أو التحركات المقبلة ربما.
"مشهد ملتهب"
وفي قراءة للمشهد العراقي "المُلتهب"، اعتبر الأكاديمي والباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمن الوطني، الدكتور فراس إلياس في تصريحات لـ"العربية.نت" أن تصريحات "وزير الصدر" دفعت الأزمة نحو مراحل متقدمة، خصوصا وأنه وجّه سهام النقد مباشرة لإيران وأذرعها، وبالتالي فإن تحميل إيران مسؤولية سلوكيات حلفائها في البلاد، يشير إلى أن الصدر لم يعد يفكّر بالموقف الإيراني، خصوصا وأنها وجّهت ضربة موجعة له بعد استخدام ورقة المرجع الديني كاظم الحائري ضده، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الزعيم الشيعي القوي بدأ يدرك أن الوقت قد ينفذ منه، في ظل استمرار تعنت قوى الإطار، ما يجعل احتمال انفجار الأوضاع مرة أخرى وارد في ضوء الانسداد السياسي الحالي".
مواجهة مسلّحة
كما أضاف "هناك سيناريوهات عديدة تفرض نفسها على الساحة العراقية، أبرزها الذهاب نحو مواجهة مسلّحة جديدة، مع ضرورة الإشارة إلى أن إمكانية المراهنة على سيناريو الحلول الناعمة لا يزال متاحاً، أبرزها حلّ البرلمان دون شروط مُسبقة، لكن إمكانية تحقق كل سيناريو من عدمه تتوقف على طبيعة الفعل ورد الفعل بين الصدر والإطار، كما أن إمكانية الرعاية الإقليمية لأي حوار عراقي هي فكرة مستبعدة، لأن القوى الإقليمية أصبحت جزءاً من المشكلة وليست الحل، بفعل حالة الاستقطاب الإقليمي المعقد التي يشهدها البلد".
وأشار إلى أن " الصدر على الرغم من فضّ اعتصام أنصار قبل أيام، إلا أنه لم يرفع الراية البيضاء حتى اللحظة، وبيان وزيره بعد فضّ الاعتصام كان واضحاً، كما أن خطوته الأخيرة باعتزال العمل السياسي لا تعني بأن الطريق أصبح مفتوحاً أمام "الإطار التنسيقي" للمضي بتشكيل الحكومة، بل ويمكن وصف ما حدث بأنه تهدئة مؤقتة أعلنها الصدر كي يعطي فرصة لإيران وحلفائها. فمسببات الأزمة لا زالت موجودة، وإمكانية عودة العنف السياسي لا زالت مرجحة بدرجة كبيرة، خصوصا في ظل استمرار الخطاب المتشنّج ".
تدخل السيستاني؟
أما عن احتمال تدخل المرجع الشيعي الأعلى في البلاد علي السيستاني لإنهاء الأزمة -كما جرت العادة- فاعتبر إلياس، "أن فكرة التدخل من قبل السيستاني، لم تتبلور حتى اللحظة، فهو لا زال يعاني خيبة أمل كبيرة حيال الطبقة السياسية الحالية، بعد أن دعمها في العملية السياسية والدستورية عام ٢٠٠٥، وفي فتوى الجهاد الكفائي عام ٢٠١٤، وفي كلتا الحالتين تم التحايل عليه، وتوظيف تدخله لمصلحتهم السياسية"
اغتيالات وتفجيرات
إلى ذلك، حذر مراقبون آخرون من موجة اغتيالات عبر كواتم الصوت ضد عناصر سرايا السلام أو الموالين للصدر بشكل ممنهج، وتفجيرات أيضاً.
من جانبه، قال المراقب للشأن السياسي محمد عماد للعربية.نت إن "اعتزال الصدر ليس بجديد، وغير حقيقي، بل يعد من ضمن خطواته التكتيكية للعودة بقوة أكبر للمشهد السياسي وفرض شروطه".
كما رأى أن "فرضية عودة الاشتباكات المسلحة واردة جداً، وقد لا تكون محدودة هذه المرة"
الصدر كان يعتزم طرد الحكومة بالكامل من المنطقة الخضراء قبل أيام وتشكيل حكومة جديدة سريعاً في ما يمكن تسميته بالانقلاب الأبيض
أما الكاتب والباحث في الشأن العراقي حسين العنكود، فأوضح للعربية.نت أن الصدر كان يعتزم طرد الحكومة بالكامل من المنطقة الخضراء قبل أيام، وتشكيل حكومة جديدة سريعاً في ما يمكن تسميته بالانقلاب الأبيض، لكن قادته خذلوه وأحرجوه عندما واجهوا الخصوم بالسلاح في بغداد" ما دفع الصدر لاحقاً إلى التبرؤ منهم، وفق قوله
إلا أنه حذر من أن الفترة المقبلة قد تشهد تأزيماً أكبر بعد، إذا ما واصل الإطار استفزاز التيار الصدري.
يذكر أنه سبق للصدر أن أعلن اعتزاله العمل السياسي 9 مرات خلال السنوات الماضية، قبل التراجع من جديد، بعد وساطات، ومن "أجل الناس" كما كان يقول.
إلا أن المشهد اليوم مختلف لا شك وأكثر تعقيداً، بحسب ما أكد مراقبون عراقيون.