المصدر / وكالات - هيا
احتشد آلاف التونسيين يوم السبت أمام مجلس النواب احتجاجا على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذي أثار جدلا واسعا بسبب تناوله مواضيع حساسة مثل المساواة في الميراث وإلغاء عقوبة الإعدام وعدم تجريم المثلية الجنسية.
وتوافد ما يناهز خمسة آلاف من المحتجين، بدعوة من "التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور" التي يقودها رجال دين وأساتذة شريعة، إلى محيط مجلس نواب الشعب، بهدف الضغط على المشرّعين لسحب تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة لأنه يتضمن "فصولاً مخالفة للدين والدستور وهادمة للأسرة ومعادية لهوية الشعب التونسي".
كان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي شكل اللجنة في أغسطس آب عام 2017 وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة في الميراث وأثار وقتها جدلا واسعا في تونس وخارجها.
وقدمت اللجنة قبل شهرين تقريرها للرئيس التونسي تمهيدا لعرضه على البرلمان ليتجدد الجدل وحملات الرفض في البلاد.
واقترحت اللجنة مشروع قانون ينص على المساواة في الإرث بين الرجال والنساء وإلغاء عقوبة الإعدام وعدم تجريم المثلية الجنسية كما اقترحت إلغاء المهر كشرط للزواج وإلغاء العدة بالنسبة للمرأة المطلقة أو الأرمل كشرط للزواج.
وبررت اللجنة المساواة في الإرث بتغير المجتمع وتطور دور المرأة التي أصبحت تتقاسم مع الرجل المسؤوليات المالية داخل الأسرة لكنها تركت للأفراد الذين يرفضون هذه المساواة حرية توزيع الإرث في شكل مختلف.
وشارك في الاحتجاج جمعيات وعلماء دين وأئمة مساجد ونشطاء سياسيين وأحزاب محافظة ورفعوا شعارات منها (الشعب يريد إسقاط التقرير) و (تقرير اللجنة دعوة للفتنة ونسف للأسرة) وأطلقوا هتافات تطالب بسحب مشروع القانون.
وقال رجل في الخمسينات من عمره يدعى وحيد شارك في الاحتجاج لرويترز "قامت ثورة في تونس من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والتهميش والبطالة وليس ضرب الهوية التونسية ..التقرير يضرب قيم الإسلام في العمق ..الأوروبيون ربما لن يوافقوا على هذا المشروع فكيف في بلد مسلم؟". وأضاف "يجب رفض المشروع".
وتونس واحدة من أكثر الدول العربية انفتاحا في مجال تحرر المرأة منذ صدور مجلة الاحوال الشخصية عام 1956 لكن رغم ذلك ظل موضوع المساواة في الميراث أمرا بالغ الحساسية في المجتمع التونسي ولم يسبق لمسؤولين تونسيين إثارة الموضوع.
وقال فتحي العيوني وهو محام وناشط سياسي "هل يجوز اليوم أن يقدم المشرع مبادرات تمس من الثوابت الاسلامية في حين أن الدستور بنص على أن الدولة تحمي المقدسات وتمنع النيل منها كما أن مسألة الهوية حسمت حسب الدستور".
وأضاف "التقرير يستهدف مقومات الاسرة والمكاسب التي تحققت للمرأة في مجلة الاحوال الشخصية..المكاسب التي تحققت نسفها التقرير تماما..اذا كتب للمشروع أن يمر لن يكون للمرأة أمان أو ضمان. لا تستطيع مطالبة زوجها بالنفقة أو الحماية أو الاخلاص أو الاستقرار".
وسلطت مبادرة الرئيس التونسي الضوء على الانقسام في صفوف التونسيين بشأن دور الدين في المجتمع والذي برز منذ انتفاضة 2011 بين العلمانيين والمحافظين.
ورحبت منظمات من المجتمع المدني بالمشروع واعتبر الاتحاد الوطني للمرأة التونسية تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة امتدادا للثورة الفكرية وتواصلا للفكر الإصلاحي التونسي.
في المقابل، يعتبر المدافعون عن المساواة التامة بين المرأة والرجل أن هذا التقرير لا يتعارض مع القيم الإسلامية بل يكرس حقوقاً للمرأة، ويتضمن فصولاً تضمن الحرمة الجسدية للمواطنين، وتكرس العدالة الاجتماعية، وتعزز الحريات العامة والفردية.
وحذرت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة بشرى بلحاج حميدة، التي تصف التقرير بـ "الثوري"، من "تجييش الشارع ونشر المغالطات"، معتبرة أن ما يروجه رجال الدين حيال مضمون التقرير لم يتضمنه التقرير.
وتستعد القوى العلمانية والنسوية للتظاهر يوم الاثنين في شارع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس دعماً لمقترحات التقرير وللتمسك بقيم الحداثة وحقوق المرأة، إضافة إلى الضغط على الرئيس السبسي لتقديم مبادرته التشريعية التي تتضمن المساواة في الإرث وإلغاء عقوبة الإعدام وفصولاً أخرى تتعلق بالحريات الفردية.