المصدر / وكالات
أمر النائب العام الإسرائيلي يوم الأربعاء، الشرطة بفتح تحقيق في مزاعم حول دور غير قانوني لأحد المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عملية شراء إسرائيل لثلاث غواصات ألمانية.
فمنذ أيام عدة، تركز وسائل الإعلام الإسرائيلية في صدارة أخبارها على ما قد يتحول إلى فضيحة "تضارب مصالح"، كشفتها القناة التلفزيونية العاشرة.
وذكرت القناة الخاصة، أن المحامي الشخصي لرئيس الوزراء (الاسرائيلي) ديفيد شيمرون هو أيضاً ممثل رجل الأعمال الإسرائيلي ميكي غانور وكيل مجموعة "ثيسنكروب مارين سيستمز" الألمانية التي ستبني هذه الغواصات.
وأكد نتنياهو أنه لا يعلم بصلة شيمرون بهذه العملية.
وقالت وزارة العدل في بيان أن الشرطة تلقت معلومات جديدة الأربعاء وأن النائب العام أفيشاي ماندلبليت "أمر باستعراض مختلف جوانب" هذه الصفقة، ولم يعط البيان تفاصيل عن الأشخاص الذين قد يشملهم التحقيق.
وعاد رئيس الوزراء مجدداً إلى هذه القضية خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء يوم الأحد الماضي، وقال "المبدأ الذي اعتمده واضح، يجب أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي عدو وفي كل المجالات".
وأضاف بحسب بيان لمكتبه أن "أمن إسرائيل يستدعي امتلاك غواصات، إنها أنظمة أسلحة استراتيجية تضمن مستقبل دولة إسرائيل في العقود المقبلة ووجودها في ذاته".
ومن جهتهم، يطالب معظم المعلقين إضافة إلى المعارضة بفتح تحقيق، مذكرين بأن قسماً من هيئة الأركان والخبراء العسكريين يعارض شراء هذه الغواصات الثلاث بسبب كلفتها.
وكتب المحلل الأمني أمير أورن، في صحيفة "هآرتس" العبرية، أن المستشار القضائي للحكومة لا يزال يرتدع عن إجراء تحقيق جنائي مع رئيس الحكومة، وأن هناك عبئا ثقيلا يتراكم ويهدد مؤسسات السلطة. كما يلفت إلى أن هناك جوانب عسكرية يستوجب على المدعي العسكري العام فحصها.
وكتب مشيدا بإخلاص المحامي دافيد شمرون، الذي يدير أملاك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو طالما ظل الأخير في منصبه. ويشير إلى أن شمرون كان يتعمد، مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات، أن يتذمر من أن استمرار بقاء نتنياهو في المنصب سيكون مكلفا، ولكن ليس للمواطنين وإنما لنتنياهو نفسه، وذلك بادعاء أنه، بحسب شمرون، منذ تجميد الملف المالي لنتيناهو، وليس الجنائي، منذ ربيع 2009 حصلت تغييرات في الاقتصاد العالمي وبالتالي قد يخرج نتنياهو خاسرا.
ويلفت إلى أن مراقب الدولة انتظر ما سيفعله المستشار القضائي للحكومة، فإذا كان جنائيا فهو في مجال المراقب والمدعي العام والشرطة، وفي كل الأحوال سوف يصل إليه في حال أظهرت الرقابة مؤشرات جنائية.
أما المستشار القضائي فلديه أسبابه الغامضة والتي جعلته متمالكا نفسه أمام الانتقادات لمدة أسبوع، حتى مساء اليوم. وفقط هو ودائرة صغيرة حوله يعرفون الحقيقة. والتحليل المحتمل، بحسب الكاتب، هو 'من المتوقع أن تحصل تطورات صاخبة تعتم على كل غواصة في إحدى مجالات تقصي الحقائق السابقة للتحقيق مع نتنياهو، ويستجمع مندلبليت قوته ويعلن عن استدعاء نتنياهو للتحقيق معه تحت التحذير'.
ويضيف أن هذه اعتبارات تكتيكية، لأن المخاوف الأساسية في تناقض المصالح لا تتركز في شمرون، الذي وصفه 'خادم السيدين: نتنياهو وممثل الشركة الألمانية 'تينسكروب' ميكي غنور. فلو كان الحديث عن شمرون وتسوية التناقض مع مكتب 'مولخو – شمرون' لما احتاجت الشرطة إلى مصادقة المستشار لأخذ أقواله، فالشبهات التي يجب فحصها تتصل بنتنياهو.
ويلفت إلى أن تناقض المصالح قد ينشأ ظاهريا فقط، حيث من الممكن أن قرارات نتنياهو في قضية الغواصات لا تشوبها شائبة منذ البداية، رغم أن شمرون هو المستفيد. ولكن، يضيف، منذ اللحظة التي تحوم فيها الشكوك العامة بشأن سلامة هذه الاعتبارات فقد يبدو أن هناك تناقض مصالح، ولتبديد هذا التناقض يجب إجراء تحقيق على قناة المستشار والنيابة والشرطة.
ويضيف أن هناك زاويتين عسكريتين تلزمان المدعي العسكري العام بالاطلاع عليهما فقد يكون من المطلوب إجراء تحقيق عسكري. الأولى تتصل بالمواطنين العاملين في الجيش، حيث يصل عددهم في حوض السفن التابع سلاح البحرية، الذي كانت 'تيسنكروب' وغنور وشمرون معنيين بخصخصته، إلى نحو 750 مدنيا. فالأنظمة تفرض قيودا صارمة، انطلاقا من اعتبارات طهارة اليد والصلاحيات والأسرار التجارية للمنافسين وأمن المعلومات، على لقاءات ممثلي الجيش مع جهات أجنبية، ويجب فحص ما إذا كانت اتصالات 'تيسنكروب' مع عمال حوض السفن قد خرجت عن هذه القيود.
أما الزاوية الثانية فهي تتصل بالسفن التي يفترض أن تحمي منصات التنقيب عن الغاز، حيث أن طلب هذه السفن عكس تأرجحا في مواقف سلاح البحرية ووزارة الأمن وحكومة نتنياهو، وكانت النتيجة النهائية ملائمة لقدرات 'تيسنكروب'. ويضيف أنه من المحتمل أن يكون ذلك من قبيل الصدفة، ولكن يتوجب على الجيش ألا يبقي ذرة من الفساد في تسلح الجيش. وفي ذلك يجب عدم الاعتماد على مندلبليت الذي انقاد غصبا عنه لإجراء فحص لم يرغب به.
ويخلص الكاتب إلى أن مندلبليت لا يزال يرتدع من إجراء تحقيق جنائي ضد نتنياهو، وأنه قد عين نفسه كـ'فاحص قضائي للحكومة'، ويبدو أنه يفضل أن يكون ذلك غصبا عنه، ولا تراه عائلة نتنياهو بشكل خاص مستسلما.
في المقابل، كتب أوري مسغاف، تحت عنوان 'التحقيق المطلوب: كيف تمكن نتنياهو من إغراق دولة بأكملها'، أن قضية الغواصات ترتسم كإحدى أخطر قضايا الفساد في تاريخ الدولة، فالقضية هنا لا تتلخص بكونها تناقض مصالح تقني، وإنما تحوم الشبهات حول تناقض مصالح جوهري ووجودي بين رئيس الحكومة وبين الدولة.
ويتابع أن هذه القصة لن تنتهي بفحص خاص بجهاز كشف الكذب (البوليغراف)، الذي طلبه وموله لنفسه المحامي شمرون، ولا بكيل المديح الذي يسخى به موكله نتنياهو.
ويلفت إلى أنه بالرغم من أن القرار المطلوب اليوم هو فتح تحقيق من قبل الشرطة، فإن التأخير في معالجة هذه القضية سوف يوفر الفرصة لعرقلة التحقيق وتنسيق الإفادات والشهادات.
ويشير إلى أن سلاح البحرية تسلح في السنتين الأخيرتين بغواصتين من إنتاج ألمانيا، وبذلك ارتفع عدد الغواصات في إسرائيل إلى خمس. وأصر رئيس الحكومة على شراء غواصة سادسة خلافا لموقف رئيس أركان الجيش. وبعد ذلك طلب أن يرفع اسطول الغواصات إلى تسع، بداعي استبدال القديمة. ولكن وزير الأمن موشي يعالون عارض ذلك بشدة. ولذلك تم إبطاء الصفقة إلى حين عزل يعالون من منصبه بدون أي تفسير، ليحتل مكانه أفيغدور ليبرمان، الذي وصفه نتنياهو قبل التعيين بأيام بأنه 'عديم المسؤولية، وتنقصه المؤهلات حتى ليكون محللا عسكريا'.
ويتابع مسغاف أن نتنياهو دفع بعملية شراء أربع سفن صواريخ لحماية منصات التنقيب عن الغاز من نفس الشركة الألمانية، بينما كان هو وأقرباؤه يمارسون الضغوط الشديدة من أجل استكمال الصفقة بسرعة. وقد تمت المصادقة على ذلك في جلسات سريعة للمجلس الوزاري المصغر.
ويلفت الكاتب إلى أن الحديث عن صفقات تسلح تقدر قيمتها بالمليارات تم التوصل إليها بين حكومات. ويضيف متسائلا أنه بالرغم من ذلك، فقد كان هناك حاجة لسمسار يدعى ميكي غنور، وهو ضابط سابق في سلاح البحرية. وقد جنى ثروة من عمله في العقارات في أوروبا الشرقية، وليس بصفقات الأسلحة أو الغاز. ولكنه عين في العام 2011 كقنصل شرف لقبرص في إسرائيل من أجل الدفع بمشاريع الغاز. وفي حفل أداء يمين الولاء تواجد وزير الخارجية ليبرمان، وهو نفس ليبرمان الذي تدفقت إليه الملايين من خلال الشركات الوهمية التي أقامها في قبرص على اسم سائقه وابنته. أما شمرون فهو محامي غنور في إسرائيل، وهو أيضا محامي نتنياهو وقريبه. وقد تدخل في المصادقة على الصفقات، وعمل من أجل خصخصة عملية الصيانة المكلفة جدا للغواصات لأيد أجنبية في ميناء حيفا، رغم أن الحديث عن آلة حرب إستراتيجية محملة بأنظمة أسلحة متطورة وسرية.
ويتابع أن المجلس للأمن القومي تجند للمصادقة على مخطط الغاز بحسب موقف نتنياهو. وكان العميد في سلاح البحرية (البريغادير) أفريئيل بار يوسيف، وهو مهندس سفن، مرشح نتنياهو لتولي منصب المجلس للأمن القومي، إلا أنه جرت عرقلة هذا التعيين في اللحظة الأخيرة، ويتم التحقيق معه اليوم بشبهة ارتكاب مخالفات خطيرة تتصل بالرشوة وتناقض المصالح في مجال الأمن والغاز.
أما يوسي كوهين، رئيس المجلس للأمن القومي والذي قدم لنتنياهو وجهة نظر موقعة من قبله بشأن الحاجة الإستراتيجية والضرورية لإسرائيل للمصادقة على مخطط الغاز، فقد تم تعيينه بسرعة رئيسا للموساد.
وفي قيادة الشرطة، تم تعيين روني ألشيخ من الشاباك مفتشا عاما للشرطة. وجرى تعيين سكرتير الحكومة أفيحاي مندلبليت في منصب المستشار القضائي للحكومة. وهذان الأخيران من المفترض أن يقودا عملية تقصي الحقائق الشرطية في هذه القضية.
وينهي الكاتب بالقول "هكذا أغرق نتنياهو دولة بأكملها".
وذكرت وسائل الإعلام أن إسرائيل طلبت من ألمانيا تزويدها ثلاث غواصات حربية إضافية بكلفة إجمالية تبلغ 1,2 مليار يورو.
وستحل هذه الغواصات محل الغواصات القديمة للأسطول الإسرائيلي الحالي والتي دخلت حيز الخدمة في 1999.
والغواصات الجديدة من طراز "دولفين" على غرار الخمس الأخرى التي سلمتها ألمانيا، على أن تسلم الدولة العبرية غواصة سادسة في إطار هذه الطلبية، وتكفلت ألمانيا حتى الآن ثلث كلفة بناء هذه الأسلحة في إطار المساعدة العسكرية التي تقدمها إلى إسرائيل.
وقالت مصادر عسكرية أجنبية أن هذه الغواصات يمكن أن تزودها إسرائيل بصواريخ نووية عابرة، وتعتبر إسرائيل القوة النووية الوحيدة في المنطقة رغم الالتباس الذي يشوب هذا الأمر.