المصدر / وكالات
افادت انباء صحفية صباح اليوم ان «جبهة النصرة» قررت الانفصال عن تنظيم القاعدة٬ تحت ضغط الاتفاق الأميركي - الروسي لضرب مواقعها في سوريا. وقد اوردت ذلك صحيفتا "الشرق الاوسط" اللندنية و"الراي" الكويتية، مشيرتين الى ان جبهة النصرة تنوي الاعلان رسميا عن هذا القرار لاحقا.
وذكرت صحيفة «الراي» ان اسما جديدا يتردد لجبهة النصرة هو «جبهة فتح الشام»، وُصف باسم نظيف لا وجود له على لائحة التنظيمات الارهابية. وتعتقد جبهة النصرة، حسب الصحيفة الكويتية، ان خطوة تغيير الاسم واعلان فك الارتباط عن تنظيم القاعدة كافية لوقف قرار الولايات المتحدة وروسيا توجيه الضربات الجوية ضدها.
صحيفة "الأخبار" اللبانية نشرت ما قالت عنه "كواليس قرار الانفاصل"، حيث قرّرت "جبهة النصرة" الارهابیة فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة ومن المقرر أن يخرج أميرها "أبو محمد الجولاني" خلال الایام المقبلة، لیعلن فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم الأم و اعلان کیان جدید سیضم "جبهة النصرة وجيش المجاهدين والأنصار وكتائب صغيرة أخرى".
وقالت مصادر مطلعة لموقع الوقت التحلیلی الاخباری؛ إن قادة "جبهة النصرة" في سوريا يدرسون قطع ارتباطهم بتنظيم القاعدة لتدعيم نفوذهم في شمال سوريا وتمهيد السبيل لتکوین كيان جديد و ذلك بعد ما اصابها الضعف جراء تعرضه للضغوط من غارات القصف الجوي ومن تقدم القوات الكردية وقوات الجيش السوری.
مضيفة إن مسؤولين من أجهزة المخابرات تابعة لدول في المنطقة اجتمعوا مع أبو محمد الجولاني زعيم "جبهة النصرة" مرات عدة في الأشهر القليلة الماضية لتشجيعه على التخلي عن تنظيم "القاعدة" ومناقشة الدعم الذي يمكن لهذه الأجهزة تقديمه لهذه الجماعة الارهابیة تحت مسمی جدید. مخابرات هذه الدول وعدت جبهة النصرة بمزيد من الدعم و الأموال والإمدادات بمجرد أن تقطع صلاتها بالقاعدة".
ومن المحتمل أن تؤدي المحاولة لابراز جبهة النصرة في ثوب جديد وتزويدها بالدعم إلى تعقيد الحرب في سوريا، حيث تستعد أمریکا لتسليح مقاتلي المعارضة غير الجهادية وتدريبهم من أجل محاربة تنظيم "داعش" الارهابی وسيكون من أهداف الكيان الجديد محاربة تنظيم "داعش" المنافس الرئيسي لـ"جبهة النصرة" في سوريا.
خلال السنوات الثلاث الماضية، أثبتت "النصرة" أنّها الفصيل الأقوى في ميدان المعارضة وإذا ما استُبعد داعش، فإنّ "النصرة" ستکون هي رأس حربة القتال ضد الجيش السوري. غير أنّ "النصرة"، فرع "القاعدة" السوري، لا ينطبق عليها وصف المعارضة "المعتدلة". وهي بالتالي، محاربة دولياً باعتبارها "منظمة إرهابية" لا يمكن دعمها علانية بالمال والسلاح. وبحسب المعلومات، فإنّ الضغوط الدولية والخليجية طوال الفترة الماضية كانت تركّز على دفع "النصرة" للانسلاخ عن "القاعدة". فهل حان الوقت لفك هذا الارتباط؟
هناك تطرح عدة اسئلة و هي، لماذا تُريد "النصرة" فك الارتباط؟ وماذا يعني فك الارتباط؟ هل ستتخلى عن "القاعدة"؟ وهل سيكون تخلّياً فعلياً أم شكلياً؟ كيف سيُترجم ذلك على أرض الواقع؟ ماذا ستكسب "النصرة" وماذا ستُحقق "القاعدة"؟ أم سيولد تنظيم "قاعدة مقنّعة"؟ وهل سيؤدي هذا الخيار إلى انشقاق "النصرة"؟
الإجابة عن التساؤلات الواردة أعلاه متشعّبة. ولا شكّ أن دعوات "النصرة" لفك الارتباط هي محاولات لإضفاء الشرعية ونزع صفة الإرهاب عنها مقابل مكتسبات ستُحصّلها هذه الدول من دعمها "النصرة" إذا خرجت من عباءة الإرهاب المتمثّل بـ"القاعدة"، بحسب العرف الدولي. إذ لا يختلف اثنان على أنّ "الجيش الحر" قد اندثر، فيما باقي "الكتائب" غير موحّدة. وبالتالي، لا جود لأي قوّة يعوّل عليها لمواجهة النظام السوري سوى "النصرة". وقد باتت هذه الدول بحاجة ماسة إلى هذه القوة، وعليه تُريد تغييراً في شكل "النصرة" كي لا تكون محرجة. فهل "الجبهة" مستعدة لهذا التنازل الشكلي؟ ولا سيما أنه لا يمس خيارات جهادية ولا يفرض التخلي عن الفكر السلفي، إنما هو ارتباط تنظيمي لا ارتباط فكري، فضلاً عن أن بإمكان "النصرة" التأصيل لهذه الخطوة بالقول إنها مرحلية للوصول إلى "التمكين" لاحقاً، مثلما سبق أن أصّلت التعاون مع أنظمة تعتبرها كافرة كالسعودية وتركيا.
غير أن فك الارتباط هذا، إن حصل، قد يحمل انعكاسات على تماسك قيادة "النصرة" وعناصرها. إذ يمكن أن ترفض قيادات وعناصر لهذا التأصيل فيترتب عليه شق الصف. فما هو موقف الظواهري؟ وهل سيُعطيهم الشرعية؟ وما هو موقف الأميركيين والدول الغربية من "النصرة" إن أخذت مشروعيتها من الظواهري؟ وهل يترتب عن ذلك تركها من قيادات وعناصر والالتحاق بـ" داعش" أو ولادة فصيل جديد؟ وهل سيخلق ذلك ازدواجية في تعاطي "القاعدة" مع الطرف الأميركي، فيكون حليفاً له في سوريا وعدوّاً في غيرها من الدول؟ ولا سيما أنّ الوقت الراهن يضعنا أمام طرفين: طرف عربي إقليمي بحاجة ماسة إلى "القاعدة"، في مقابل طرف جهادي يحتاج إلى احتضان دولي للتمكين على الساحة السورية.
لقد خرجت خلال الفترة الماضية معلومات عن شقاق داخل قيادة "النصرة"، وصراع بين مؤيدين ومعارضين لترك "القاعدة". وذُكر أنّ الجولاني يومها كان في صفّ الرافضين لفك الارتباط. غير أنّه خلال اليومين الماضيين، انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي تدور في فلك "القاعدة" بنقاشات بشأن فك الارتباط. وانقسم هؤلاء بين مؤيد ومعارض. فجرى تداول معلومات عن أنّ المسؤول العام لـ"النصرة" عمِل على "جمع تواقيع من المسؤولين في النصرة من أجل بتّ قرار فك الارتباط عن تنظيم القاعدة خلال الأيام المقبلة، أتى ذلك عقب اجتماع عقده (مجلس شورى) النصرة مع القاعدة في اليمن، أفضى إلى اتخاذ قرار فك الارتباط". غير أنّ ذلك لم يقطع نزاع الجهاديين. يترقّب هؤلاء موقفاً في هذه المسألة من زعيم القاعدة الظواهري. فيقول أحد اعضاء جبهة النصرة: "والله ما تركنا القاعدة أيام الفصل ما بين الجبهة والدولة حتى أتانا الرد من أميرنا أيمن الظواهري بمن يمثل القاعدة في الشام. ولن نتركها اليوم أو نفك ارتباطنا بها حتى نسمع ما يقوله أميرنا بهذه المسألة". عضو آخر فی الجبهة اعتبر أن "طلب الدول الغربية من النصرة فك ارتباطها بالقاعدة فخ ومصيدة لهدر دم جنودها وتشويهها لدى باقي المجاهدين". ونقل ثالث محادثة نسبها إلى الجولاني منذ أشهر، قال فیها: "لو علمت أنهم سينصروننا إن فككناه لفعلتها في الصباح، لكنه باب للتنازل تلو التنازل لن ينتهي، ثم قال: لو فككنا الارتباط سيقولون لنا: تفضلوا على الرياض ثم تفضلوا على جنيف ثم يقولون أثبتوا لنا أنكم تركتم القاعدة وقاتلوها! ثم سل الذين ذهبوا في غياهب المؤتمرات والقمم من غير القاعدة هل حصلوا على شيء؟".
وبحسب المصادر، فإنّه في حال أعلنت "النصرة" فك الارتباط، سيترتب عليها إزالة عبارة "تنظيم القاعدة" عن رايتها، كما ستنشأ مكتب سياسي مع توجّه لتغيير الاسم لاحقاً بعد التوحّد مع بعض الفصائل.
تجدر الاشارة الی أنه إذا تم حل "جبهة النصرة" وانفصلت عن القاعدة فليس من المتوقع أن تتغير عقيدة الكيان الجديد. فقد حارب الجولاني مع "القاعدة" في العراق وحارب بعض القادة الآخرين في أفغانستان وتربطهم صلات وثيقة بزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.